مستجدات التربية الاسلامية

مدونة تهتم بكل ما يخدم مادة التربية الاسلامية

أخر الأخبار

الجمعة، 20 أبريل 2018

خطوات منهجية(ديداكتيكية) لحسن تخطيط وتدبير وتقويم مدخل التزكية: (حصص القرآن الكريم)




بسم الله الرحمن الرحيم

خطوات منهجية(ديداكتيكية) لحسن تخطيط وتدبير وتقويم

مدخل التزكية: (حصص القرآن الكريم)
                 
 مساهمة في تطوير ديداكتيك مادة التربية الإسلامية
الأستاذ الدكتور الحسن قايدة، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بوجدة

معلوم عندنا نحن المسلمين أن القرآن الكريم أنزل رحمة للعالمين ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُومِنِينَ . وأنه يهدي الناس إلى خير الدنيا والآخرة ﴿  يَهْدِي بِهِ اللَّه مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه سُبُل السَّلَام   فالقرآن إذن جامع للشفاء العام، والهدى الجامع لخير الدنيا والآخرة، فوجب على كل مشتغل بالقرآن أن يعتبرهذا الملحظ المنهجي، وينطلق منه في كل مستويات الصلة به تلاوة وتعليما وتعلما وتدبرا وتزكية..
فإذا كانت المقاربة بالكفايات في مجال التدريس تتخذ من الوضعية المشكلة إطارا منهجيا لعرض التساؤلات، التي ينتظرالإجابة عنها في كافة المحطات والوضعيات من خلال التفاعل الإيجابي بين المتعلم والمدرس، بهدف بناء التعلمات وتثبيتها وإدماجها.
إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك طبعا، فإن نصوص الوحي هي المفاتيح المثلى، والحلول الأسنى لتلك المشكلات الإنسانية، بل إنما أنزلت أساسا لمعالجتها في كل أبعادها النفسية والسلوكية، الحسية والمعنوية، الفردية والجماعية، ﴿إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ 
 وبما أن تدريس القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف في السلك الثانوي الإعدادي يخضع لنظام الدعامات؛ التي جعلت في خدمة الكفايات الأساسية والنوعية الخاصة بمادة التربية الإسلامية، فإنه بات من الضروري التفكير العميق في وضع استراتيجية واضحة لاستثمار هذه الدعامات وفق بيداغوجية التدريس بالكفايات من جهة، واحترام منهجية أصول التفسير المعتمدة في علوم القرآن من جهة ثانية.  
ولبلوغ هذه الغاية الكبرى نقترح اتباع الخطوات المنهجية الآتية.
1- على المدرس وهو يخطط للتعلمات أن يعتبر أن السورة من القرآن وحدة متكاملة، لها محورها الأساس الذي تدور عليه كافة مقاطعها، التي تعمل جميعا على بيان ذلك المحور وتجليته عبر سياقات ومناسبات مختلفة؛ و لذلك يتعين إبراز ذلك المحورأو المضمون العام، والغاية من ذلك أن نضع بين يدي المتعلمين والمتعلمات القضية الكلية المجملة، التي ينتظر العمل على تحليلها وتفكيكها، واستخراج عناصرها الصغرى والجزئية، حتى يتسنى لنا إعادة تركيبها، والقدرة على إدماجها وتحويلها إلى امتدادات قيمية وسلوكية.
2- من المهم جدا أن يقسم الأستاذ السورة إلى وحداتها (المقاطع القرآنية)، حتى تسهل عملية المدارسة الصفية، ويكون على بينة من كون المقطع المدرج في الكتاب المدرسي فعلا يشكل وحدة بذاته، وإلا يمكنه حينئذ أن يغيره زيادة أو نقصانا. وأما الضابط في التقسيم، فهو وحدة الموضوع، التي تتحدد من خلال التناسب القرآني، وعناصر السياق.
       3- في ضوء ما تقدم، ينتقل المدرس إلى خطوة في غاية الأهمية، وهي استخراج المضامين الخاصة بكل مقطع على حدة، فإذا تحقق ذلك يكون قد حدد الملامح الكبرى للسورة، والهندسة الكلية لما تتضمنه من حقائق تربوية، وهدايات منهجية.                                                                                                                                                                  بعد هذا العرض الكلي المجمل، الذي يعده الأستاذ إعدادا جيدا في البيت، ينتقل إلى الاشتغال الجزئي الإجرائي جاعلا نصب عينيه محورية التلميذ في بناء التعلمات واستنباط الأحكام والحكم والقيم، وكذا في تدبير كل الإنجازات، من أجل ذلك لابد من المرور بالخطوات الآتية:
       4 - حسن التخطيط للمقطع المدروس تدبير موضوع الحصة الدراسية - إعدادا وإنجازا، فتكون البداية في الحصة الأولى بتعريف السورة تعريفا مختصرا، يركز على زمن النزول، وعدد الآيات، وسر التسمية، وسبب النزول إذا وجد...إلخ
     إن التخطيط النموذجي، هو الذي يسترشد بالهدى المنهاجي المستمد من القرآن ذاتة، ومن البيان النبوي الشريف، ففي كتاب الله إشارات واضحة إلى خطوات المدارسة الكاملة لللآيات القرآنية.  قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، فالآية حددت لنا تلك الخطوات المنهجية الديدكتيكية بشكل دقيق، تلاوة الآيات أولا، ثم تعليم الكتاب و الحكمةُ ثانيا، فالتزكية ثالثا، وهذا ما طلبه سيدنا إبراهيم عليه السلام من ربه قائلا:﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
واضح إذن من النصيين القرآنيين أن و ظائف بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هي الخطوات المنهجية، التي نستمد منها  هذه الوضعيات التعليمية التعلمية.  
  5- ثم تكون القراءة النموذجية من الأستاذ بداية، ومن أحسن التلاميذ تجويدا بعد ذلك، ثم يقرأ التلاميذ قراءات متعددة إلى غاية حصول الاستئناس بالآيات، وتجاوز صعوبات التلاوة. وهنا ينبغي استحضار مقام الذكر والخشوع على سبيل التعبد، بما يتطلبه الحال والمقام من استحضار القلب، وإلقاء السمع، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ . وهذا ما ينبغي التنبيه إليه بين الفينة والأخرى، وعند كل مدارسة.
   ومما يساعد على هذا الحضور القلبي، أن تكون التلاوة بمنهجية التلقي.كما قال الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله: « إلا أن التلاوة تكون بما وصفت به من البركة والتأثير الإيماني؛ إذا أخذت بما أسميناه ب( بمنهج التلقي للقرآن العظيم)، حيث يؤدى القرآن بحضور قلب، وتتلى آياته على أنه ذكر لله جل جلاله(...) وإنما يؤتي القرآن ثمار الذكر حقيقة لمن تلقاه؛ وإنما كان رسول الله يتلقى القرآن من ربه. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ   ولايزال القرآن معروضا لمن يتلقاه، وليس لمن يتلوه فقط.
    وأما تلقي القرآن: فهو استقبال القلب للوحي، إما على سيل النبوءة، كما هو الشأن بالنسبة للرسول (...) وإما أن يكون (تلقي القرآن) بمعنى استقبال القلب للوحي، على سبيل الذكر.
 وهو عام في كل مؤمن أخذ القرآن بمنهج التلقي(...) أن تتلقى القرآن: معناه؛ أن تصغي إلى الله يخاطبك فتبصر حقائق الآيات وهي تتنزل على قلبك روحا. وبهذا تقع اليقظة والتذكر، ثم يقع التخلق بالقرآن، على نحو ما هو مذكور في وصف رسول الله من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه؛ فقالت:(كان خلقه القرآن).
  أن  تتلقى القرآن: معناه أيضا أن تتنزل الآيات على موطن الحاجة من قلبك ووجدانك، كما يتنزل الدواء على موطن الداء»
فإذا حصلت الفائدة من هذه الخطوة نمر إلى تعليم الكتاب،﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ، وذلك بالاهتمام بثلاثة أمور يشكل كل واحد منها خطوة بعينها.
  6- فأما الأولى، فتعليمهم علم التجويد بالقدر الذي يسمح به الوقت، وذلك بالتركيز على الأحكام البارزة والضرورية، مثل النون الساكنة والتنوين، وأحكام المد وأنواعه، وما إلى ذلك، وهنا طبعا لابد من الأخذ بمبدإ التدرج في تلقين هذه الأحكام أداء وتقعيدا؛ حتى تنمو كفاياتهم ومهارتهم على مدى مستويات السلك الإعدادي الثلاثة.
7- البيان العام لمفردات وعبارات الآيات المدروسة، وذلك اعتمادا على أيسر التفاسير وأقربها إلى مداركهم؛ لأن الغاية ههنا تذليل عقبات الفهم أساسا لجعل معاني كلمات الوحي في متناولهم، يستطيعون تمثلها بقصد امتثالها، ولبلوغ هذه الغاية يجب تكليف المتعلمين بالإعداد القبلي لكل ما يعين على المراد.
  ولا يخفاك ما تكتسيه هذه الوضعية التعليمية التعلمية من أهمية؛ لأنها فرصة ثمينة يثري فيها المتعلم معجمه الخاص بكلمات السماء، التي صنعت الإنسان المسلم الحق، وتصنعه في كل وقت وحين، متى حلت في الوجدان بصدق، ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ منها﴾. إنها كلمات الله، التي لا يحيط بأسرارها إلا هو،﴿قلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (
8- حصر مضامين المقطع:
فبعد أن أصبحت الكلمات واضحة، والعبارات جلية لدى المتعلمين والمتعلمات، ينبغي تقسيم المقطع إلى مضامينه الجزئية، التي تعرض في القرآن بصورتها المركبة، إذ المقصود ههنا إفراز تلك الأجزاء، حتى تظهر لنا الحقائق الربانية في صورتها البسيطة، حيث تتبدى المعاني والأحكام والهدايات.
ومما يساعدنا في هذا التقسيم المنهجي ( الديداكتيكي) أن نراعي أنواع الأساليب اللغوية والدلالية القرآنية، من قبيل أسلوب الأمر، والنهي، والتحذير، والإغراء، والتوبيخ والتعجب...إلخ؛ لأن تلك المضامين إنما هي بلاغات ربانية في صورة بصائر وعلامات توجه سلوكات المسلمين من خلال تلك الأساليب الآمرة والناهية...
ومن الإجراءات الديداكتيكة  الفعالة في صياغة المضامين، أنه يستحسن أن نستعمل صيغ المصادر، والجمل الاسمية عموما، فهي الأنسب للاختصار والتدقيق والتركيز،          و الأقدر على الجمع والمنع كذلك، فعند قوله تعالى مثلا: ﴿  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ  تكون المضامين كالآتي:

  1. أمره تعالى بوجوب تلاوة القرآن و إقامة الصلاة
  2. بيانه تعالى لمقاصد الصلاة الدينية والخلقية
وفي قوله تعالى: ﴿  وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا، فالمضمون هو: تحذيره تعالى من التبذير وتصوير لخطره.
ولتوجيه المتعلمين إلى الأهداف المرجوة مباشرة، فعلى المدرس أن يدقق في إثارة الأسئلة، حتى تتأتى لهم الإجابة بعيدا عن كل غموض أو تعميم، إذ ليس من التدقيق أن يصاغ السؤال على النحو الآتي: ما هي مضامين الأيات؟ بل بم يأمرنا سبحانه في الآية؟ مثلا.
9- تعلم الحكمة من خلال آيات المقطع. قال تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ . وفي هذه الخطوة يحرك المدرس المتعلمين نحو التدبر في المعاني، والتبصر في حقائقها الربانية، وأحوالها الإيمانية، بحيث يتحول الفصل إلى لحظة ممتعة لمدارسة كتاب الله تعالى مصداقا لقول النبي صلى الله عليه فيما رواه أبو هريرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (...ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَه( ُ.  
وفي هذه الأجواء التفاعلية يسلك بهم المدرس مسلكا لطيفا في اتجاه تلمس الأجوبة المرجوة، فيأخذ من هذه الصيدلية القرآنية الدواء الشافي، والعلاج النافع لما أثارته دروس الوحدات العشر من إشكالات وتمثلات وقضايا، في مختلف الوضعيات الديداكتيكية: (التشخيصية، والبنائينة، والتوليفية، والتقويمية، والدعمية..ألخ)
ولحسن تدبير هذه الممارسة الصفية الناجعة يستحسن أن يسجل المتعلمون رسائل من الهدى المعرفي، والقيمي، والمنهاجي، التي توصلوا إليها من خلال مشاركاتهم الفعالة والإيجابية، فيبادرون إلى كتابتها على السبورة، أو عرضها بوسائل العرض الحديثة  
( TICE) إذا تيسر ذلك.
10- تحقيق التربية على التخلق والتحقق، وذلكم المقصود في قوله تعالى: ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ؛ لأن التزكية هي الثمرة المرجوة من هذه المدارسة القرآنية بداية ونهاية، وفي هذه اللحظة تتم عملية التربية على القيم، ودعم التربية على الاختيار الراشد الموجه بنور الوحي، وهذا مسلك قويم في تعديل السلوك وتهذيب الأنفس، مما يساهم مساهمة فعالة في معالجة الكثير من مظاهر الانحراف، والاختلال الأخلاقي والسلوكي التي  أصبحت تقلق بال كل الفاعلين التربويين، وكافة المعنيين بشأن التربية والتعليم من أسرة، وحكومة، ومجتمع مدني...
وحتى لا تتحول حصة الدعامات القرآنية إلى ما يشبه الأسلوب الوعظي، فإن المدرس مسؤول على تنشيط القسم، وإشراكهم في الوصول إلى الأهداف المنشودة المحققة للكفايات النوعية المدرجة في وثيقة البرامج والتوجيهات الخاصة بمادة التربية الإسلامية، والمسطرة في الكتب المدرسية.
تلك عشر خطوات منهجية ديداكتيكية أحسبها مجدية ونافعة لتخطيط وتدبير دعامات القرآن الكريم، وهي في الآن نفسه معايير لتقويم  أداء المدرسين، وتحصيل المتعلمين، وهي عدة منهجية تراكمت عبر مسار التجربة في التدريس والتأطير التربوي، وهي مساهمة بسيطة تهدف إلى تطوير وإغناء حقل الديداكتيك في مادة التربية الإسلامية.
                              والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
                             الأستاذ الحسن قايدة

هناك تعليقان (2):